6 فبراير 2024
بعد 470 يومًا من الإبادة الإسرائيلية ضد شعبنا الصامد، دخل وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره حيز التنفيذ يوم الأحد 19 يناير 2025. جاء وقف إطلاق النار متأخرًا 15 شهرًا، حيث قبلت الفصائل الفلسطينية مقترحات مماثلة في نوفمبر 2023 ومقترحًا متطابقًا تقريبًا في مايو 2024. يقدم وقف إطلاق النار فترة راحة مؤقتة وضرورية، لكنه بعيد كل البعد عن الحل. إنها لحظة أساسية لتسريع الحشد الشعبي العالمي وإحداث تحول جذري في النموذج السياسي نحو تحقيق تقرير المصير والتحرير للشعب الفلسطيني.
الواقع الحالي:
غزة: التمسك بالأمل في خضم الدمار
على مدار أكثر من 15 شهرًا، ارتكبت إسرائيل واحدة من أفظع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ، حيث ارتكبت مجازر، وأبادت عائلات بأكملها، واستخدمت التجويع كسلاح حرب، ودمرت 92% من المنازل والمنشآت. أسفرت الإبادة الجماعية عن استشهاد أكثر من 47,035 فلسطينيًا، من بينهم أكثر من 20,000 طفل، وإصابة أكثر من 111,090 آخرين. كما هجّرت إسرائيل 90% من السكان قسرًا، معظمهم من اللاجئين المحرومين أصلاً من حقهم في العودة منذ نكبة عام 1948. إن الدمار الذي سببته إسرائيل لا يوصف، والإحصائيات لا تقدم سوى لمحة عن المعاناة التي ستلاحق الفلسطينيين لأجيال قادمة. وتقدر الدراسات أن عدد الشهداء الفعلي في غزة قد يتجاوز 186,000 قتيل، وقد يستغرق إزالة الأنقاض 20 عامًا.
منذ وقف إطلاق النار، سُجِّلت حالات استشهاد إضافية في غزة، حيث انتُشِلت مئات الجثث الفلسطينية من تحت الأنقاض، واستشهد العديد متأثرين بجراحهم، وقُتل آخرون في انتهاك لوقف إطلاق النار. في الفترة ما بين 22 كانون الثاني/يناير و6 شباط/فبراير 2025، استشهد 548 فلسطينيًا إضافيًا، من بينهم 21 فلسطينيًا على الأقل في انتهاك مباشر لوقف إطلاق النار. يواجه أكثر من 560,000 نازح فلسطيني عائد إلى الشمال دمار منازلهم، وفقدان عائلاتهم، ومستقبلًا مجهولًا – ومع ذلك فهم مصممون على إعادة بناء حياتهم من تحت الأنقاض.
الضفة الغربية: في ظل إبادة استعمارية مكثفة
تستغل إسرائيل وقف إطلاق النار لتصعيد عمليات الضم والهيمنة في الضفة الغربية. فقد زادت الاقتحامات العسكرية، والاعتقالات الجماعية، والقيود المفروضة على الحركة، وهجمات المستوطنين العنيفة بشكل كبير.
في 21 كانون الثاني/يناير، شنت إسرائيل هجومًا عسكريًا واسع النطاق يستهدف شمال الضفة الغربية. ويشمل الهجوم العسكري المستمر حصارًا على مناطق جنين وطولكرم وطوباس وقلقيلية، وهجمات على المستشفيات، واعتقالات تعسفية، وقتل خارج نطاق القانون، وغارات جوية، وتدمير المنازل والبنية التحتية، وتهجير قسري. وفي غضون أسبوعين، استشهد أكثر من 50 فلسطينيًا، وهُجِّر أكثر من 26,000 فلسطيني قسرًا. ويعكس هذا المراحل المبكرة من الإبادة الجماعية في غزة، عبر أعمال إبادة جماعية مماثلة، ودعوات علنية من قبل المسؤولين الإسرائيليين إلى تكرار الإبادة الجماعية في الضفة الغربية. فقد أشار وزير الحرب الإسرائيلي كاتس إلى الهجوم العسكري على جنين باعتباره ”الدرس الأول من غزة“، بينما دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى تدمير واسع النطاق في الضفة الغربية، قائلاً: ”يجب أن تكون الفندق ونابلس وجنين مثل جباليا.“
إن الهجمة المستمرة في الضفة الغربية هي استمرار للاحتلال المستمر منذ عقود، حيث شهدت الفترة منذ أكتوبر 2023 أعلى مستويات العنف الاستعماري والتطهير العرقي. فقد استشهد أكثر من 828 فلسطينيًا في الضفة الغربية بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025. كما هُدم أكثر من 2,464 منزلًا ومنشأة، مما أدى إلى تهجير 5,482 فلسطينيًا قسريًا. كما هُجِّر 1,757 فلسطينيًا آخرون قسرًا بسبب هجمات المستوطنين بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و5 كانون الأول/ديسمبر 2024.
الاعتقالات الجماعية والتعذيب والقمع السياسي
قبل وقف إطلاق النار، كان 10,220 فلسطينيًا – من بينهم 345 طفلًا و3,376 معتقلًا إداريًا – محتجزين في السجون الإسرائيلية تحت التعذيب وظروف غير إنسانية. ولا يشمل ذلك الفلسطينيين المعتقلين من غزة منذ 7 أكتوبر 2023. منذ أكتوبر 2023، استشهد أكثر من 58 أسيرًا فلسطينيًا بسبب التعذيب والإهمال الطبي.
وكجزء من اتفاق وقف إطلاق النار، من المقرر إطلاق سراح 1,900 أسير في المرحلة الأولى. وقد تم تحرير العديد منهم، وعلامات التعذيب وسوء المعاملة وسوء التغذية بادية على أجسادهم. وفي الوقت نفسه، تستمر الاعتقالات الجماعية في الضفة الغربية، حيث اعتقل ما لا يقل عن 380 فلسطينيًا منذ وقف إطلاق النار وحتى 4 شباط/فبراير 2025.
الاعتداءات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني ككل
منذ بدء الإبادة الجماعية، يواجه الشعب الفلسطيني في كل مكان هجمات صهيونية مكثفة. ويواجه فلسطينيو الداخل المحتل عام 1948 قمعًا مكثفًا، بما في ذلك حظر المظاهرات، والاعتقالات الجماعية، والفصل التعسفي في أماكن العمل والمؤسسات الأكاديمية.
في الوقت نفسه، يواجه ملايين اللاجئون الفلسطينيون، الذين ما زالوا محرومين من حقهم في العودة، تهديدًا في الحصول على المساعدات الأساسية والخدمات الصحية والاجتماعية بعد حظر إسرائيل غير القانوني لوكالة الأونروا، وهي الوكالة الرئيسية التي تخدم اللاجئين الفلسطينيين.
وعلى الصعيد العالمي، يواجه الناشطون الفلسطينيون والمجموعات الفلسطينية وحلفاؤهم تصعيدًا في القمع. فقد قمعت الحكومات والشركات مظاهرات التضامن، واعتقلت العديد بسبب تعبيرهم عن آرائهم، وفرضت الرقابة على الأصوات، وجرّمت جهود المساءلة، وسمحت بتزايد جرائم الكراهية ضد الفلسطينيين.
الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في المنطقة
تستغل إسرائيل الإبادة الجماعية في المنطقة فيما يسميه نتنياهو فرصة ”لتوسيع اتفاقات أبراهام… وبالتالي تغيير وجه الشرق الأوسط بأشكال اكثر جذرية“. في لبنان، أودى الاجتياح العسكري الإسرائيلي بحياة أكثر من 3,189 شخصًا، وأدى إلى إصابة 14,078 آخرين، وتهجير أكثر من 1.2 مليون لبناني قسريًا. واستغلالًا لسقوط نظام الأسد، شنّت إسرائيل عدوانًا عسكريًا غير مسبوق على الأراضي السورية، وعمّقت احتلالها في الأراضي السورية.
الإفلات الصهيوني من العقاب
على مدى عقود، واصلت إسرائيل مشروعها الاستعماري مع الإفلات من العقاب والمحاسبة. ويتجلى ذلك في تجاهلها المنهجي للقرارات الدولية ومهاجمتها للهيئات الدولية، فضلًا عن سوء نيتها المتعمد عندما يتعلق الأمر بانتهاك الاتفاقيات. فمنذ الإبادة الجماعية، رفضت إسرائيل ثلاثة أوامر ورأي استشاري من محكمة العدل الدولية – تأمر إسرائيل بإنهاء احتلالها ووقف أعمال الإبادة الجماعية في غزة – إلى جانب مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت. علاوة على ذلك، انتهكت إسرائيل اتفاقات وقف إطلاق النار في لبنان وغزة. إن التجاهل الكامل من قبل إسرائيل للقانون الدولي والتزاماتها هو نتيجة مباشرة لتواطؤ المؤسسة السياسية العالمية التي تواصل مكافأة إسرائيل على جرائمها الدولية من خلال الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي غير المشروط.
تقاعس المجتمع الدولي عن معالجة الأسباب الجذرية للوضع في فلسطين
يتمثل النهج السياسي الدولي السائد في التعامل مع النضال الفلسطيني فيتبني أطر حل الصراعات متكافئة الأطراف، والتي تديم اضطهاد الفلسطينيين، بدلًا من معالجة الأسباب الجذرية لجرائم إسرائيل لبناء مستقبل عادل وهي الاستعمار والفصل العنصري والاحتلال.
إن النقاشات التي تدور حول إعادة إعمار غزة ليست استثناءً. فالولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإسرائيلي وحلفاؤهما المقربون يروجون لخطط التطهير العرقي للفلسطينيين وإعادة تشكيل الحوكمة لخدمة المصالح الاستعمارية الإسرائيلية. إن المحاولات الحالية لتشكيل تحالفات الدول – مثل ”التحالف العالمي من أجل حل الدولتين“ – لا تزال تعمل على تعزيز نماذج ضارة بدلًا من معالجة الأسباب الجذرية، ويجب ألا تحظى بدعم سياسي.
في المقابل، تم تسليح ملف المساعدات الإنسانية بشكل متزايد، حيث تعكس محاولات استبدال الأونروا ببدائل من القطاع الخاص جهودًا أوسع نطاقًا لتفكيك حقوق اللاجئين الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، تستمر مبادرات ”من شعب إلى شعب“ و”بناء السلام“، التي تشجع الشراكات بين المجتمع المدني الإسرائيلي والفلسطيني والجهات الفاعلة في القطاع الخاص، في ترسيخ الواقع الاستعماري الاستيطاني من خلال الفشل المتعمد في محاسبة الاحتلال غير القانوني، وتهميش الوكالة والسيادة الفلسطينية، وتجاهل حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
ما الذي يجب أن يحدث الآن؟
1. الضغط باتجاه احترام وقف إطلاق النار في جميع مراحله
يتضمن الاتفاق الحالي، المقسم إلى ثلاث مراحل، انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من غزة ووقفاً كاملاً لإطلاق النار في المرحلة الأخيرة فقط – وهي نتيجة من غير مرجح أن تسعى إسرائيل إلى تحقيقها استناداً إلى أنماط المفاوضات والاتفاقيات التاريخية. ومع ذلك، قد تعيد إسرائيل النظر في قراراتها في ظل العقوبات والمساءلة. لا بد من اتخاذ إجراءات جماعية وفورية لضمان التنفيذ الكامل للاتفاق.
2. رفض تسليح المساعدات
إن الجهود الجارية لاستبدال الأونروا ونظام تنسيق المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة – رغم عيوبه العديدة – بمتعاقدين من القطاع الخاص المنحازين للمصالح الأمريكية والإسرائيلية تقوِّض نزاهة الجهود الإنسانية وتعزز الأهداف الاستعمارية الإسرائيلية. يجب رفض أي خطط للحوكمة أو تقديم المساعدات الخالية من الوكالة والسيادة الفلسطينية. كما يجب مناهضة أي جهود ترمي إلى استبدال الأونروا ببدائل مخصخصة، مع الدعوة إلى إنهاء حظر إسرائيل للوكالة.
3. فرض العقوبات على إسرائيل ومحاسبة المجرمين
يجب المطالبة بتحقيق العدالة في جرائم الحرب والفصل العنصري والإبادة الجماعية والجرائم الوحشية. بالإضافة إلى الدعوة إلى فرض حظر على الأسلحة والطاقة، وفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. وهذا ليس واجب أخلاقي على الحكومات، بل هو أيضًا واجب قانوني. فقد صوّتت أغلبية عالمية من 124 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة على فرض العقوبات وإنهاء التواطؤ مع إسرائيل، وقد أكّدت محكمة العدل الدولية ذلك هذا العام. إن هذه الالتزامات القانونية لا تنتهي بوقف إطلاق النار.
ادعم حملات من أجل العدالة:
– طالبوا بحظر عالمي للطاقة من أجل فلسطين.
– محاسبة الشركات المتواطئة. قواعد البيانات والحملات: قائمة المقاطعة BDS / قائمة لا تساهم في تمويل الاحتلال / قاعدة بيانات AFSC Investigate / قاعدة بيانات WhoProfits / مؤشر WaterMelon
4. حماية المجتمع المدني الفلسطيني وإنهاء قمع الحراك التضامني
يتصاعد القمع العالمي لحق الفلسطينيين في مقاومة الاضطهاد ولحق حركات التضامن بالنشاط من اجل قضية فلسطين. يجب الدعوة إلى إنهاء جميع السياسات التي تجرم وتقمع النشاط التضامني. وفي الوقت نفسه، يجب رفض مبادرات ”من شعب إلى شعب“ المتزايدة، التي تجمع بين المجتمع المدني الإسرائيلي والفلسطيني والجهات الفاعلة في القطاع الخاص، والتي لا تؤدي إلا إلى تطبيع نظام الفصل العنصري.
5. المطالبة بالعمليات السياسية التي تضمن الوكالة والسيادة الفلسطينية وإنهاء الاستعمار
يجب أن تركز العمليات السياسية، الآن أكثر من أي وقت مضى، على تحرير الفلسطينيين وإعمال حقهم في العودة وتقرير المصير. منذ خطة تقسيم فلسطين إلى اتفاقات أوسلو وثم خطط ترامب، أثبت التاريخ مرارًا وتكرارًا أن الفلسطينيين مطالبون بالتنازل عن حقوقهم الأساسية. إن خطط ”إعادة إعمار غزة“ ليست استثناءً.
يجب ألا يؤدي إعادة إعمار غزة إلى تكريس الاعتماد على المساعدات الإنسانية، أو تقويض الوكالة والسيادة الفلسطينية، أو التسبب في المزيد من التهجير القسري. يجب أن تكون عملية إعادة الإعمار الحقيقية مملوكة بالكامل للفلسطينيين – سواء في صنع القرار أو في التنفيذ. ويجب أن تشمل هذه العملية ممثلين عن جميع الجهات الفاعلة السياسية والاجتماعية دون أن يستحوذ عليها أفراد أو سلطات مدعومة من الخارج.
والأهم من ذلك، أن إعادة إعمار غزة لا يتعلق فقط بإعادة بناء البنى التحتية وسبل العيش، بل بعملية إعادة إعمار بناء تحررية تستعيد الكرامة والوحدة الفلسطينية. يكمن مفتاح استعادة الوحدة الفلسطينية في إطلاق سراح جميع الأسرى السياسيين الفلسطينيين، وإنهاء نظام الاعتقال التعسفي، وتوفير ضمانات ضد إعادة اعتقال المفرج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى. تشمل المتطلبات الأساسية لتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم: إنهاء الحصار، وإنهاء الاحتلال، وتفكيك نظام الفصل العنصري والاستعماري الاستيطاني، وضمان حق العودة.
في الأشهر القادمة، سيضاعف فريقنا وتحالفاتنا جهودهم لمواصلة دعم تعزيز الحركة الفلسطينية الدولية من أجل التحرر، والضغط استراتيجيًا من أجل المساءلة.